عمليات تكرير البترول .. 3 مراحل محورية بين الابتكار و الاستدامة

تُعدّ عمليات تكرير البترول العمليةَ الأهم لتحويل النفط الخام إلى منتجات قابلة للاستخدام، كالبنزين والديزل والكيروسين ومواد بتروكيماوية أخرى، وذلك عبر 3 مراحل رئيسية.

وتعتمد هذه العملية على تقنيات عدة تختلف باختلاف نوع النفط الخام والمخرجات المطلوبة.. في هذا المقال، نستعرض عمليات تكرير البترول بشكل مبسط و شامل.

جدول المحتويات

عمليات تكرير البترول

البترول الخام عبارة عن خلائط معقدة جدًا تختلف باختلاف الحقول النفطية، فكل خام له تركيبة كيميائية و فيزيائية فريدة و بعض أنواع الخام تكون سائلة و فاتحة اللون، و أخرى داكنة و كثيفة أو تحتوي على مواد قطرانية، يُستخرج البترول من المكامن الجوفية عبر الحفر، إما تحت ضغط المكمن أو بواسطة ضخ خارجي.

أولاً: العمليات الفيزيائية

و تشمل اربع عمليات كالتالي:

1. التقطير: و هو أول و أهم خطوة في تكرير البترول، و يتم فيها فصل مكوناته بناءً على درجات الغليان:

التقطير الابتدائي (تحت الضغط الجوي): أحد مراحل تكرير البترول حيث تُفصل المكونات حسب نطاقات درجات الغليان، بدءًا من الغازات الخفيفة إلى البقايا الثقيلة و ينتج عنها الغازات: مثل الميثان، الإيثان، البروبان.
المقطرات الخفيفة: مثل نفثا، وقود السيارات.
المقطرات المتوسطة: مثل الكيروسين، زيت الغاز.
المقطرات الثقيلة: مثل الديزل، زيوت التشحيم.
البقايا: مثل الأسفلت و الراتنجات.
التقطير الفراغي (تحت الضغط المخلخل): و يُستخدم للحصول على نواتج أثقل دون تكسير حراري بسبب انخفاض درجة الغليان تحت الضغط.
تقطير الزيت الخفيف:و يتم تثبيت المقطرات الخفيفة عن طريق فصل الغازات المذابة.
التقطير الآيزوتروبي: و هو فصل مكونات لها نقطة غليان قريبة باستخدام مذيبات ذات درجة غليان منخفضة مثل الأسيتون و الغول.
التقطير الاستخلاصي: و ياتي ضمن مراحل تكرير البترول و يتم باستخدام مذيب ذو درجة غليان أعلى، لفصل مكونات خليط غير قابلة للفصل بالتقطير العادي.

2. الاستخلاص بالمذيبات

يُستخدم لاستخلاص مكونات معينة حسب التركيب الكيميائي (بارافينات، نافثينات، عطريات) لإنتاج زيوت التزييت.

3. التنقية

التنقية بالمذيبات: و تعتمد على اختلاف الذوبانية بين المذيبات القطبية و المكونات الهيدروكربونية.
التنقية بالامتصاص: و تعتمد على امتصاص مكونات معينة على سطح مادة مسامية.

4. التبريد

يأتي ضمن مراحل تكرير البترول و يتم فيه فصل الغازات و فرز الغازات الناتجة من التكسير للاستفادة منها في الصناعة البتروكيميائية، وتقوم هذه العملية على:

تثبيت البنزين: فصل البروبان و البيوتان من البنزين و تعبئتهما تحت ضغط.
العدد الأوكتاني للبنزين: مقياس لمقاومة الوقود للاشتعال المبكر.
العدد السيتاني لوقود الديزل: مقياس لقابلية الديزل للاشتعال بالضغط.

ثانياً العمليات الكيميائية

من أهم عمليات تكرير البترول و تعد مرحلة هامة و تشمل:

1. التكسير الحراري

يتم تكسير الجزيئات الكبيرة للبترول تحت حرارة و ضغط مرتفعين بدون محفزات.

2. التكسير التحفيزي

يُستخدم محفزات مثل السيليكا أو الأمونيا لتحسين جودة المنتجات و رفع العدد الأوكتاني.

3. التكسير المهدرج

يتم بوجود الهيدروجين و يهدف لتحسين خصائص المشتقات الثقيلة.

4. إعادة التشكيل الحفزي

تُستخدم لتحسين الرقم الأوكتاني أو إنتاج مركبات عطرية (بنزين، تولوين).

ثالثاً عمليات المعالجة النهائية

و هي أحد أهم مراحل تكرير البترول و يتم فيها:

إزالة كبريتيد الهيدروجين (H2S): و عند النسبة القليلة: باستخدام محلول الصودا الكاوية أما عند النسبة العالية: باستخدام سوائل امتصاص خاصة.
التنقية بالهيدروجين: و تُستخدم لإزالة الشوائب الكبريتية، النيتروجينية، و الهالوجينية و تحسين جودة المنتجات النهائية.

عمليات تكرير البترول و التقنيات الحديثة

مع تطور التكنولوجيا و زيادة الطلب على الطاقة النظيفة، ظهرت تقنيات جديدة تهدف لتحسين كفاءة عمليات تكرير البترول و تقليل الانبعاثات مثل:

1_ التكرير الذكي (Smart Refining)

استخدام الذكاء الاصطناعي و التحليل الرقمي لمراقبة و تحسين العمليات لحظياً، مما يرفع الإنتاجية و يقلل الفاقد.

2_التحفيز الانتقائي (Selective Catalysis)

ابتكار محفزات أكثر كفاءة تستهدف جزيئات معينة فقط، مما يقلل الطاقة المستهلكة و يزيد الإنتاج النقي.

3_تقنيات إزالة الكبريت المتقدمة

تقليل محتوى الكبريت لتلبية المعايير البيئية الصارمة، خاصة في وقود النقل.

الأثر الاقتصادي و البيئي لعمليات تكرير البترول

1. الأثر الاقتصادي

الصناعات المرتبطة: مثل صناعة البلاستيك، الأسمدة، الصناعات الكيميائية.
فرص العمل: التكرير يوفر ملايين الوظائف في مختلف أنحاء العالم.
الاستثمار: مصافي التكرير تعتبر من أكبر المشاريع الصناعية من حيث رأس المال.

2. الأثر البيئي

رغم أهمية عمليات تكرير البترول، إلا أنها تُعد من المصادر الكبرى لانبعاثات الكربون و المركبات العضوية المتطايرة (VOCs)، لذلك تُفرض ضوابط صارمة:

أنظمة المراقبة البيئية.
معالجة المياه و النفايات.
التحول إلى مصادر طاقة بديلة في التكرير (مثل الهيدروجين الأخضر).

مستقبل عمليات تكرير البترول

يشهد تحولات كبيرة نتيجة لمجموعة من العوامل البيئية، الاقتصادية، و التكنولوجيا و أبرز الاتجاهات التي تشكل مستقبل هذه الصناعة هي :

1. التحول نحو الطاقة النظيفة

مع تزايد الضغوط الدولية للحد من انبعاثات الكربون، تسعى شركات التكرير إلى:

خفض البصمة الكربونية باستخدام مصادر طاقة متجددة في العمليات.
إدخال عمليات تكرير منخفضة الانبعاثات أو دمج عمليات مثل التقاط الكربون (CCUS).

2. التكامل مع الصناعات البتروكيميائية

المصافي تتحول إلى مجمعات صناعية تنتج الوقود و البتروكيميائيات معًا.
زيادة إنتاج المواد البتروكيميائية (كالإيثيلين والبروبيلين) لتعويض انخفاض الطلب المستقبلي على الوقود التقليدي.

3. الرقمنة و الذكاء الاصطناعي

استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة التشغيلية، و تقليل الأعطال، و تحسين الجودة.
اعتماد الصيانة التنبؤية بدلاً من المجدولة لتقليل التكاليف و زيادة الاعتمادية.

4. التكرير الحيوي (Bio-refining)

الاعتماد على مصادر غير نفطية في عمليات تكرير البترول مثل كالنفايات العضوية و الزيوت النباتية لإنتاج وقود متجدد.
بعض المصافي تتحول جزئياً أو كلياً إلى مصافي حيوية.

5. تغير أنماط الطلب العالمي

انخفاض متوقع في استهلاك البنزين و الديزل في الدول المتقدمة مع انتشار السيارات الكهربائية.
في المقابل، تزايد الطلب على وقود الطائرات و الشحن البحري.

6. إغلاق المصافي القديمة و دمجها

المصافي الصغيرة أو القديمة تواجه تحديات كبيرة، ما يدفع إلى إغلاقها أو دمجها بمصافي أكبر و أكثر كفاءة.

ختاماً، تُعد عمليات تكرير البترول حجر الأساس في تحويل الثروة الطبيعية الخام إلى منتجات ضرورية لحياتنا اليومية، من التقطير و التكسير إلى المعالجة الدقيقة، تسهم هذه العمليات في تلبية احتياجات الطاقة العالمية و دفع عجلة الاقتصاد.

و مع تطور التقنيات و الاهتمام المتزايد بالاستدامة البيئية، تستمر هذه عمليات تكرير البترول في التغير لتصبح أكثر كفاءة و أقل ضرراً على البيئة، مما يجعل مستقبل التكرير أكثر ذكاءً و نقاءً.