
استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي بات من أبرز التطورات التي غيّرت مسار صناعة الطاقة عالميًا، إذ أثبتت الدراسات أن هذه التقنية قادرة على رفع دقة الاكتشاف بنسبة تصل إلى 60% مقارنة بالطرق التقليدية، بالإضافة إلى قدرتها على تقليل تكاليف الحفر غير الضروري بشكل ملحوظ.
وتعتمد هذه المنهجية على قياس الاستجابة الكهرومغناطيسية للتكوينات الجيولوجية تحت سطح الأرض أو قاع البحر، مما يساعد في تحديد أماكن مكامن الغاز بدقة أكبر قبل الشروع في عمليات الحفر، ويُعتبر المسح الكهرومغناطيسي أداة مساندة للمسوح الزلزالية والجيوكيميائية، حيث يوفر بيانات إضافية عن الخصائص الكهربائية للصخور والموائع تحت السطح، مما يقلل من المخاطر الاستثمارية ويرفع فرص النجاح التجاري في مشاريع الاستكشاف.
في هذا المقال سنستعرض آلية عمل استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي، وأبرز أنواعه، ومزاياه، بالإضافة إلى أمثلة عملية توضّح أهميته المتزايدة في رسم مستقبل الطاقة.
جدول المحتويات
ما هو المسح الكهرومغناطيسي في استكشاف الغاز؟
المسح الكهرومغناطيسي هو تقنية تعتمد على إرسال واستقبال موجات كهرومغناطيسية لدراسة استجابة الطبقات الجيولوجية المختلفة، وفي حالة وجود الغاز الطبيعي أو النفط، تختلف الموصلية الكهربائية لهذه الطبقات عن الصخور المشبعة بالمياه المالحة، مما يتيح التمييز بينها بدقة.
يُستخدم استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي على نطاق واسع في البيئات البحرية العميقة، حيث يصعب الاعتماد فقط على الطرق الزلزالية التقليدية، كما يُستخدم أيضًا في البيئات البرية للكشف عن التكوينات الرسوبية والجيولوجية المحتملة لاحتواء الغاز.

كيف يعمل استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي؟
تمر عملية استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي بعدة خطوات أساسية:
- إرسال الموجات الكهرومغناطيسية: يتم توليد حقول كهرومغناطيسية اصطناعية عبر أجهزة خاصة على سطح البحر أو الأرض.
- اختراق الطبقات الجيولوجية: تخترق الموجات باطن الأرض لتصل إلى أعماق كبيرة، تتأثر خلالها بخصائص الصخور والسوائل.
- استقبال الإشارات: تُلتقط الاستجابات بواسطة مجسات أو مستقبلات موزعة بدقة.
- تحليل البيانات: تُعالج الإشارات لرسم صورة جيولوجية تُظهر الاختلافات في الموصلية الكهربائية، والتي قد تشير إلى وجود الغاز الطبيعي.
أنواع تقنيات المسح الكهرومغناطيسي في استكشاف الغاز
يمكن تقسيم تقنيات استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي إلى نوعين رئيسيين:
1. المسح الكهرومغناطيسي البحري
يُعد المسح الكهرومغناطيسي البحري من أكثر التطبيقات شيوعًا في مجال الاستكشاف البحري، خاصة في المناطق العميقة التي يصعب فيها الاعتماد فقط على المسح الزلزالي، وتكمن فكرته في نشر مصدر كهرومغناطيسي منخفض التردد يُسحب خلف سفينة استكشافية، ليبث إشارات كهرومغناطيسية عبر قاع البحر، هذه الإشارات تخترق التكوينات الرسوبية وتُسجَّل استجاباتها بواسطة مستقبلات (Receivers) موزعة على قاع البحر.
يمتاز هذا النوع من استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي بقدرته العالية على التمييز بين الصخور المشبعة بالمياه المالحة والصخور الحاملة للهيدروكربونات، إذ إن المياه المالحة تُظهر موصلية كهربائية أعلى بكثير مقارنة بالغاز أو النفط، ومن ثمّ، فإن أي شذوذ في الاستجابة الكهرومغناطيسية يُعتبر مؤشرًا قويًا على وجود مكامن غازية.
كما يوفر المسح البحري بيانات تُكمّل الصور الزلزالية ثلاثية الأبعاد، حيث يُستخدم لبناء نموذج أكثر وضوحًا للتكوينات الجيولوجية العميقة، وتقليل المخاطر عند حفر الآبار البحرية التي تُكلف عشرات الملايين من الدولارات. وقد أثبت نجاحه في مشاريع كبرى مثل بحر الشمال وخليج المكسيك، حيث ساعد في تقليل نسبة الآبار الجافة بما يصل إلى 40%
2. المسح الكهرومغناطيسي البري
على اليابسة، يُستخدم المسح الكهرومغناطيسي البري كأداة رئيسية لدراسة التراكيب الرسوبية والجيولوجية التي قد تحتوي على الغاز الطبيعي، وتُجرى هذه التقنية عبر نشر ملفات كهربائية (Coils) أو مجسات أرضية تبعث إشارات كهرومغناطيسية، يتم استقبالها وتحليلها لتحديد التغيرات في الموصلية الكهربائية للتربة والصخور.
تُظهر الصخور المشبعة بالغاز الطبيعي عادةً مقاومة كهربائية أعلى مقارنة بالصخور المشبعة بالمياه، وهو ما يسمح بتمييزها بدقة، ويُستخدم هذا النوع من المسح في تحديد مواقع الصدوع والفوالق، ورسم الخرائط الجيولوجية التفصيلية، مما يسهّل اختيار أفضل المواقع لحفر الآبار الاستكشافية.
يمثل استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي البري مكملًا مثاليًا للمسوحات الزلزالية، إذ يضيف بُعدًا جديدًا للبيانات الجيوفيزيائية عبر قياس الخواص الكهربائية بجانب الخواص الميكانيكية للصخور، وبذلك يساعد على تقليل الشكوك الجيولوجية في المراحل المبكرة من مشاريع الاستكشاف، خاصة في الأحواض الرسوبية المعقدة أو ذات البنية التكتونية النشطة.
مقارنة بين أنواع المسح الكهرومغناطيسي (البحري والبري)
النوع | آلية العمل | المزايا | أبرز الاستخدامات |
---|---|---|---|
المسح الكهرومغناطيسي البحري (CSEM) | يتم سحب مصدر كهرومغناطيسي منخفض التردد خلف سفينة، وتُسجّل الاستجابات عبر مستقبلات موضوعة على قاع البحر | – دقة عالية في التمييز بين المياه المالحة والغاز – تقليل نسبة الآبار الجافة – مفيد في المياه العميقة | الاستكشاف البحري العميق (مثل بحر الشمال وخليج المكسيك) |
المسح الكهرومغناطيسي البري (Land EM Survey) | استخدام ملفات كهربائية أو مجسات أرضية لبث إشارات كهرومغناطيسية وتسجيل استجابة الصخور | – يحدد التراكيب الرسوبية والصدوع – منخفض التكلفة مقارنة بالبحري – مكمل مثالي للمسوحات الزلزالية | الأحواض الرسوبية البرية، المناطق الجبلية والوعرة |
مزايا استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي
- رفع دقة الاكتشاف: يُساهم في تقليل نسبة الآبار الجافة بنسبة تصل إلى 30–50%.
- خفض التكاليف: يقلل الحاجة إلى الحفر الاستكشافي غير المضمون.
- دعم المسوح الزلزالية: يقدم بيانات كهربائية تُكمل المعلومات الزلزالية والجيوكيميائية.
- تقليل المخاطر البيئية: يُستخدم في مرحلة ما قبل الحفر، مما يقلل التدخل المباشر في البيئة.
- العمل في البيئات الصعبة: مناسب للاستكشاف البحري العميق والمناطق الوعرة.
الابتكارات الحديثة في استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي
- دمج البيانات الكهرومغناطيسية مع الزلزالية ثلاثية الأبعاد: للحصول على صورة متكاملة أكثر دقة للتكوينات الجيولوجية.
- استخدام الذكاء الاصطناعي: في تحليل البيانات الكهرومغناطيسية لاستخراج أنماط معقدة وتحسين التوقعات.
- التقنيات البحرية المتقدمة (CSEM 3D): التي تسمح برسم نماذج ثلاثية الأبعاد لمكامن الغاز تحت قاع البحر.
أمثلة عالمية على استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي
- النرويج: اعتمدت شركات النفط على CSEM في بحر الشمال، ما ساعدها على تقليل عدد الآبار الجافة بنسبة 40%.
- المكسيك: جرى استخدام التقنية في خليج المكسيك لتعزيز نتائج المسوح الزلزالية في المياه العميقة.
- الهند: وظفت تقنيات المسح الكهرومغناطيسي البري لتحديد تراكيب رسوبية واعدة في الأحواض الداخلية.

الأسئلة الشائعة حول استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي
1. هل يمكن أن يحل المسح الكهرومغناطيسي مكان المسح الزلزالي؟
لا، بل يكمله، حيث يُستخدم لتقليل الشكوك وزيادة دقة النتائج قبل الحفر.
2. ما أبرز ميزة للمسح الكهرومغناطيسي؟
أهم ميزة في استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي هي قدرته على التمييز بين المياه المالحة والهيدروكربونات بدقة عالية.
3. هل التقنية مكلفة؟
على العكس، فهي تقلل التكاليف على المدى الطويل من خلال تجنب الحفر غير المنتج.
ختامًا، يُمثل استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي نقلة نوعية في تقنيات الاستكشاف الحديثة، حيث يجمع بين الدقة العلمية والتكلفة الاقتصادية والاعتبارات البيئية، ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي ودمج البيانات الجيوفيزيائية المتعددة، من المتوقع أن تصبح هذه التقنية إحدى الركائز الأساسية في صناعة الطاقة العالمية خلال العقود القادمة.
فيديو.. طرق استكشاف الغاز
مراجع :
- استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي – الموقع الإلكتروني لشركة شلمبرجير
- تقرير حول معدات الاستكشاف والتنقيب من باطن الأرض – منصة “geoequips”
اقرأ أيضاً:
- استكشاف الغاز وتحليل البيانات بالذكاء الاصطناعي: ملامح الثورة الرقمية في صناعة الطاقة بالقرن الـ 21
- استكشاف الغاز باستخدام المسح المغناطيسي والجيوكيميائي .. 70% من النجاحات تبدأ من هنا
- استكشاف الغاز بالمسح الزلزالي الرقمي .. دقة تفوق 50% في الكشف وتقليل المخاطر
- استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد .. 4 ابتكارات حديثة تُغير مستقبل الطاقة
- استكشاف الغاز بالمسح الكهرومغناطيسي .. تقنية حديثة ترفع دقة الاكتشاف بنسبة 60%
- استكشاف الغاز بالمسوحات الجاذبية .. 5 مزايا وتقنيات مستقبلية في صناعة الطاقة
- استكشاف الغاز بالمسوحات البحرية المتقدمة .. 5 دول رائدة في اعتمادها عالميًا
- استكشاف الغاز بالتحليل الطيفي والفلوري .. 4 آليات دقيقة تكشف المكامن الغازية بفعالية