غاز طبيعي

استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد .. 4 ابتكارات حديثة تُغير مستقبل الطاقة

كل ما تريد معرفته عن استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد

يُعد استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد من أبرز التطورات التي شهدها قطاع الطاقة في العقود الأخيرة، إذ يساهم في خفض تكاليف الاستكشاف بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بالطرق التقليدية، مع تقليل المخاطر التشغيلية بشكل ملحوظ، كما يوفر وسيلة متقدمة وغير تقليدية للكشف عن الموارد الطبيعية عبر تحليل البيانات المجمعة من الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار وأجهزة الرصد الطيفي.

ويُمثل الاستشعار عن بُعد نقلة نوعية في أساليب البحث عن الغاز، حيث يعتمد على جمع ومعالجة بيانات فيزيائية وطيفية من سطح الأرض والجو، ما يُتيح تكوين صورة واضحة عن التكوينات الجيولوجية وتحديد المؤشرات الدالة على وجود مكامن غازية، كما يسهّل العمل في البيئات الوعرة والبحرية العميقة، ويدعم توجه قطاع الطاقة نحو حلول أكثر استدامة من خلال تقليل الأثر البيئي وتسريع عمليات الاستكشاف.

سنتناول في هذا المقال أبرز ملامح استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد، مع استعراض آلية عمله، ومزاياه، وأبرز التقنيات المستخدمة فيه، بالإضافة إلى أمثلة عملية توضّح دوره في تعزيز كفاءة قطاع الطاقة وتلبية الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي كمصدر طاقة نظيف وفعال.

ما هو الاستشعار عن بُعد في استكشاف الغاز؟

الاستشعار عن بُعد هو علم وتقنية جمع المعلومات عن سطح الأرض وما تحتها دون ملامسة مباشرة، باستخدام أجهزة استشعار مثبتة على الأقمار الصناعية أو الطائرات أو الطائرات بدون طيار.

في مجال الغاز، يُستخدم استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد لرصد التراكيب الجيولوجية، تحديد أماكن الصدوع والفوالق، متابعة تغيرات الغطاء النباتي، وحتى كشف التسربات الغازية البسيطة التي قد تشير إلى وجود مكامن تحت السطح.

استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد
استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد

كيف يعمل استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد؟

  1. جمع البيانات: يتم الحصول على صور عالية الدقة من الأقمار الصناعية أو المجسات الجوية.
  2. التحليل الطيفي: تُدرس الانعكاسات الطيفية للمعادن والصخور والتربة لتحديد الخصائص الجيولوجية المرتبطة بالغاز.
  3. النمذجة الجيولوجية: تُدمج البيانات المكانية مع الخرائط الجيولوجية والزلزالية لبناء نموذج متكامل تحت السطح.
  4. الكشف عن المؤشرات: يتم تحديد الأنماط الجيولوجية والتسربات الغازية الدقيقة التي تعزز احتمالية وجود الغاز.

أنواع تقنيات الاستشعار عن بُعد في استكشاف الغاز

يمكن تصنيف تقنيات استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد إلى عدة أنواع رئيسية:

  1. صور الأقمار الصناعية متعددة الأطياف: تتيح تحليل انعكاسات سطح الأرض لرصد المؤشرات الجيولوجية.
  2. الرادار ذي الفتحة التركيبية: يُستخدم لاختراق الغيوم وكشف البنية السطحية حتى في الظروف الجوية الصعبة.
  3. الاستشعار الحراري: يساعد في كشف التسربات الغازية من خلال تتبع التغيرات الحرارية.
  4. الليدار: يوفّر نماذج طبوغرافية دقيقة لدراسة التضاريس والصدوع.
  5. التصوير الجوي والطائرات بدون طيار: يُستخدم في المسوحات المحلية التفصيلية لدعم البيانات الفضائية.

مقارنة بين تقنيات الاستشعار عن بُعد في استكشاف الغاز

التقنية آلية العمل المزايا أبرز الاستخدامات
صور الأقمار الصناعية متعددة الأطياف تحليل انعكاسات الطيف من سطح الأرض تغطي مساحات واسعة – تكلفة منخفضة نسبيًا تحديد التراكيب الجيولوجية والغطاء الأرضي
الرادار ذي الفتحة التركيبية (SAR) إرسال موجات رادارية تخترق الغيوم والسطح يعمل في جميع الظروف الجوية – يوفر صورًا دقيقة للتضاريس دراسة البنية الجيولوجية في المناطق الصعبة
الاستشعار الحراري قياس انبعاثات الحرارة من سطح الأرض يكشف تسربات الميثان – يتتبع تغيرات الحرارة رصد الانبعاثات الغازية المبكرة
الليدار (LiDAR) استخدام أشعة الليزر لرسم خرائط طبوغرافية دقة عالية جدًا – تفاصيل طبوغرافية دقيقة دراسة الصدوع والفوالق الأرضية
الطائرات بدون طيار (Drones) جمع صور جوية منخفضة الارتفاع بدقة عالية مرونة وسرعة – تغطية مناطق محددة بتفصيل المسوحات المحلية لدعم البيانات الفضائية

مزايا استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد

  1. خفض التكاليف: من أهم مزايا استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد تقليل الحاجة إلى المسوحات الميدانية المكلفة.
  2. تسريع العمليات: يساهم بشكل كبير في جمع بيانات واسعة النطاق في وقت قصير.
  3. الكشف المبكر: يساعد في تحديد المناطق الواعدة قبل البدء في الحفر.
  4. السلامة البيئية: يساهم استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد في تقليل التدخل البشري المباشر والأثر على النظم البيئية.
  5. التكامل التقني: إمكانية دمجها مع تقنيات زلزالية وجيوكيميائية لتحسين دقة النتائج.

الابتكارات الحديثة في استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد

شهدت السنوات الأخيرة ثورة في تطوير استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد أبرزها:

1) الأقمار الصناعية عالية الدقة والبيانات الطيفية

الفكرة: تصوير متكرر لمساحات شاسعة بعدة نطاقات طيفية (مرئي–قريب/قصير الموجة تحت الأحمر) لرصد مؤشرات جيولوجية وسطحية مرتبطة بالغاز.

كيف تفيد الاستكشاف؟

  • رسم التراكيب الخطية والفوالق التي تتحكم في هجرة الموائع (باستخدام نطاقات المرئي وNIR وSWIR).
  • تعقّب تغيرات الغطاء النباتي والإجهاد النباتي الناتج عن تسربات دقيقة (مؤشرات NDVI وما شابه).
  • تمييز وحدات الصخور والمعادن السطحية (طينيات، كربونات، أكاسيد حديد) كمؤشرات تغيير جيولوجي مرتبط بميكرو-ترشيحات هيدروكربونية.

سير العمل المعتاد:

  1. تصحيح جوي وإشعاعي (مثلاً Sen2Cor لصور Sentinel-2، وخطوات مماثلة لـ Landsat).
  2.  فهرسة طيفية (NDVI, NDWI, الطين/الحديد، تركيبات ألوان زائفة).
  3.  استخراج الخطيات (Lineament Extraction) لخرائط البنيات الجيولوجية.
  4. دمج النتائج مع خرائط جيولوجية/زلزالية لتحديد “البلوكس” الواعدة.

نقاط قوة: تغطية واسعة، سجل زمني طويل، تنوع نطاقات طيفية مفيدة للاستكشاف.
قيود: الغيوم/الهباء الجوي، دقة مكانية محدودة لخصائص صغيرة جدًا، الحاجة للتحقق الحقلي أو ببيانات أعلى دقة.

استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد
استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد

2) استخدام الذكاء الاصطناعي في معالجة الصور للكشف عن أنماط جيولوجية معقّدة

الفكرة: تحويل كميات ضخمة من الصور إلى خرائط احتمالية للمكامن/المؤشرات عبر خوارزميات تعلم آلي/عميق.

أهم المهام:

  • تصنيف السطح (صخور/تربة/غطاء نباتي/ماء) وخريطة الوحدات الليثولوجية.
  • كشف الشذوذ (Anomaly Detection) لتمييز مناطق غير اعتيادية قد ترتبط بترشيحات أو تراكيب خفية.
  • استخراج الخطيات تلقائيًا (CNN/U-Net) وتحسين شبكة الفوالق.
  • تنقية الصور (إزالة سحب/ظلال، تحسين الإشارة الطيفية) لرفع جودة التحليل.

سير عمل موثوق:

  1. تحضير البيانات (تصحيح، توحيد الإسقاط، موازنة الفصول/الإضاءة).
  2. وسم بيانات Training Labels بالتعاون مع الجيولوجيين.
  3. تدريب نموذج (Random Forest/SVM أو شبكات عميقة) مع تحقق متقاطع.
  4. إخراج خرائط احتمالية ودمجها مع بيانات زلزالية/جيوكيميائية.

فوائد: تسريع التحليل، التقاط علاقات غير خطية، تقليل التحيز البشري.
قيود/تنبيهات: حساسية لجودة الملصقات، خطر التعميم الخاطئ Domain Shift، ضرورة التحقق الحقلي.

3) دمج بيانات الطائرات بدون طيار (Drones) مع صور الأقمار الصناعية

الفكرة: استخدام الدرونز كـ طبقة تفصيلية (سم–ديسيمتر) فوق خرائط الأقمار (10–30 م) لبناء نموذج متعدد المقاييس من الإقليمي إلى المحلي.

لماذا هذا الدمج قوي؟

  • الأقمار تعطي صورة إقليمية سريعة؛ الدرونز تمنح تفاصيل موقعية دقيقة (شقوق سطحية، آثار ترشيح دقيقة، تغيرات صغيرة في الغطاء الأرضي).
  • إنشاء نماذج ارتفاع رقمية عالية الدقة تساعد في تفسير البنيات والتحكّم الطبوغرافي في الهجرة.

خطوات الدمج الجيدة:

  1. تسجيل/مطابقة: هي عملية محاذاة بيانات الطائرات بدون طيار مع صور الأقمار الصناعية بدقة هندسية (جيومترية) لضمان التطابق المكاني بينهما.
  2. التحجيم لأسفل/للأعلى: يقصد به استخدام صور الطائرات بدون طيار عالية الدقة لتدريب نماذج تُحسّن دقة التفسير أو الاستدلال من بيانات الأقمار الصناعية ذات الدقة الأقل.
  3. إنتاج خرائط نهائية تربط “الخطوط الكبرى” (فضائيًا) بـ “الأدلة الدقيقة” (ميدانيًا).

فوائد: تركيز أعمال المسح والحفر التجريبي، تقليل الزيارات الميدانية غير الضرورية.
قيود: لوائح الطيران، مدى البطارية، الحاجة لخطط سلامة وموافقات مواقع.

4) تطبيقات الاستشعار الحراري المتقدّمة لرصد تسربات الميثان والغازات النزرة

الفكرة: رصد بصمات طيفية/حرارية للميثان (وأحيانًا الإيثان) ومتابعة فروق حرارة سطحية/هوائية قد تكشف تسربًا أو نشاطًا غير اعتيادي.

كيف يتم الرصد؟

  • النطاقات القصيرة تحت الحمراء SWIR تُستخدم لكشف امتصاص الميثان في صور متعددة/فائقة الطيف (Hyperspectral).
  • التصوير الحراري TIR/MWIR يلتقط اختلافات حرارية قد تصاحب التسرب أو تغيّر رطوبة/خصائص التربة.
  • خوارزميات مطابقة طيفية (Matched Filter) وتقنيات إزالة الخلفية الجوية لاستخراج “الأعمدة” الغازية.

أفضل الممارسات:

  1. تصحيحات جوية دقيقة (بخار ماء، زاوية شمس، سُمك غلاف).
  2. مراعاة الرياح واتجاهها لتفسير شكل/انجراف الع plume.
  3. تكرار رصدي زمني (Time Series) لتأكيد الثبات أو الحدث العرضي.
  4. تحقق ميداني بأجهزة محمولة/هوائية عند الإمكان.

فوائد: كشف التسربات مبكرًا على خطوط أنابيب/محطات معالجة/مواقع شعلة، دعم الامتثال البيئي وخفض الانبعاثات.
قيود: حساسية للغيوم/الانعكاسية السطحية، عتبات كشف تختلف باختلاف الحساس والمنصة، حاجة لخبرة تفسيرية عالية.

استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد
استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد

أمثلة عالمية على استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد

  • الولايات المتحدة: استخدمت وكالة ناسا بالتعاون مع شركات الطاقة تقنيات الاستشعار الحراري لرصد انبعاثات الميثان في حقول الغاز الصخري.
  • قطر: دمجت بيانات الأقمار الصناعية مع الدراسات الزلزالية لتطوير حقول الغاز البحرية.
  • الهند: اعتمدت صور الأقمار الصناعية متعددة الأطياف لتحديد التراكيب الجيولوجية في حوض كريشنا جودافاري الغني بالغاز.

الأسئلة الشائعة حول استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد

1. هل يمكن للاستشعار عن بُعد أن يحل مكان المسح الزلزالي؟
لا، بل يُكمل الاستشعار عن بُعد المسوحات الزلزالية، فهو يُستخدم كمرحلة أولية لتحديد المناطق الواعدة، ثم تأتي المسوحات الزلزالية لتأكيد النتائج بدقة أكبر.

2. ما هي أهم ميزة للاستشعار عن بُعد في استكشاف الغاز؟
الميزة الأهم في استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد هي خفض التكاليف وتقليل المخاطر، حيث يمكن تحديد المواقع المحتملة دون الحاجة إلى حفر استكشافي مكلف في البداية.

3. هل يُستخدم الاستشعار الحراري لرصد تسربات الغاز؟
نعم، يمكن رصد تسربات الميثان والغازات الأخرى من خلال تتبع الاختلافات الحرارية على سطح الأرض، مما يساعد في الكشف المبكر عن المكامن.

4. ما هي الدول الرائدة في استخدام الاستشعار عن بُعد لاستكشاف الغاز؟
من أبرز الدول التي تقوم بـ استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد هي الولايات المتحدة (رصد انبعاثات الميثان)، قطر (دمج بيانات الأقمار الصناعية مع الزلازلية البحرية)، والهند (تحليل الأطياف لتحديد التراكيب الجيولوجية).

ختامًا؛ يُعد استكشاف الغاز بالاستشعار عن بُعد ركيزة أساسية في مستقبل صناعة الطاقة، حيث يجمع بين دقة التكنولوجيا الفضائية وسرعة التحليل الرقمي لتقليل المخاطر وتعزيز الكفاءة، ومع استمرار التطورات في الذكاء الاصطناعي والاستشعار الطيفي، يُتوقع أن يزداد اعتماد الدول والشركات على هذه التقنية لتحقيق أمن الطاقة والاستدامة البيئية، مما يجعلها أحد المحاور الرئيسية لرسم خريطة الطاقة في القرن الحادي والعشرين.

فيديو  .. الاستشعار عن بُعد وتطبيقاته في صناعة النفط والغاز 

مراجع:

اقرأ أيضاً: 

محمد أبو الخير

محرر اقتصادي متخصص في شئون البترول والغاز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Index