نفط وبترول

روشتة إنقاذ الجنيه (1) : استعداداً لـ ” منصة بوتين ” .. كيف يقتنص قطاع البترول ” فرص ” البريكس ؟

قراءة تحليلية للميزان التجاري بين مصر و دول البريكس

البريكس هو تجمع دولي عابر للأقاليم ، يسعى لتغيير بعض شروط التبادل والتمويل الدولي، دون المساس بالهيكل الأساسي لتوزيع القوة فى النظام الاقتصادي العالمي الراهن كما يسعى للتبادل التجاري بعملات الدول الأعضاء لتقليل الاعتماد على الدولار .

وتتكون مجموعة بريكس حاليًا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتترأس روسيا حاليًا رئاسة ما يُشار إليه باسم بريكس بلس، بعد توسعها من 5 إلى 10 أعضاء – من ضمنها مصر ـ عام 2024. والدول التي تشكل “بريكس بلس” اليوم تمثل 45 %  من تعداد سكان العالم، و28 % من الناتج الاقتصادي العالمي، و47 % من إنتاج النفط الخام العالمي، وفق تقرير لموقع مجلس العلاقات الخارجية.ويتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء في “بريكس” 20 تريليون دولار، وهو أكبر من الناتج المحلي لدول مجموعة السبع الصناعية الكبرى.

بريكس و مجموعة السبع الصناعية

تُشكل مجموعة بريكس تكتلًا هامًا لتعزيز مفهوم أمن الطاقة، حيث يجمع التكتل بين أصحاب الثروات التعدينية الكبيرة ومنتجي النفط الرئيسيين، فضلًا عن بعض مستهلكي الطاقة الأسرع نموًا ، وتتمتع دول بريكس بطاقة إنتاجية هائلة تشكل نصف الطاقة العالمية تقريبًا.

مصادر الطاقة في دول البريكس

وأصبحت اقتصادات دول بريكس مكملة لبعضها حيث تسيطر على احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي والنفط الخام والمعادن إضافة إلى التكنولوجيا والكفاءات البشرية والثروات الزراعية، وباتت المجموعة تمتلك بنكًا للتنمية وصندوق احتياطات نقدية مغريًا للدول النامية التي تحتاج مساعدات وقروضًا.

ففي عام 2014 تأسس بنك التنمية الجديد  NDB بمدينة شنجهاي الصينية، برأسمال مبدأي 100 مليار دولار، من قبل تجمع دول ” بريكس ” ، وهو بنك متعدد الأطراف يهتم بتمويل مشروعات البنية التحتية، والتنمية المستدامة، ونجح حتى الآن في تمويل 96 مشروعًا بقيمة 33 مليار دولار.

وتولي البريكس اهتمامًا خاصًا بمشروعات التنمية المستدامة بما فيها مشروعات الطاقة الجديدة و المتجددة والمشروعات الخضراء كما تولي اهتماماً تعزيز التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص .

وللوقوف على كيفية الاستفادة من انضمام مصر لهذا التكتل ينبغي إلقاء نظرة على الميزان التجاري لمعرفة حجم و نوعية التبادل التجاري بين مصر ودول البريكس ، فتبادل التجارة بالعملات المحلية لا يعني حل نهائي لأزمة الدولار إذ يتطلب الأمر إيجاد التوازن بين الصادرات والواردات في علاقاتنا التجارية مع الدول الأعضاء ، فكيف هو وضع الميزان التجاري المصري مع دول البريكس ؟

الميزان التجاري بين مصر و دول البريكس

وفقا للأرقام المعلنة من قبل الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن القيمة الكلية للمبادلات التجارية (صادرات وواردات ) بين مصر والدول الخمس المؤِّسسة لتجمع البريكس خلال عام2023   بلغت تقريبًا 27.8 مليار دولار، و سجل الميزان  التجاري عجزًا إجماليًّا يقدر بـ 22 مليار دولار هو مقدار الفرق بين الصادرات والواردات .

وبالإطلاع على الميزان التجاري لمصر مع كل دولة من دول التكتل ؛ يتضح  أن مصر تُعاني من اختلال في الميزان التجاري وفى هيكل التجارة الخارجية  مع مجموعة دول البريكس بدرجات مختلفة حيث أن معظم صادراتنا من المواد الخام و معظم الواردات من السلع المصنعة والنصف مصنعة  .

ووفقا لهذه الأرقام فإن اقتصادنا يحتاج إلى تنويع هيكل التجارة الخارجية مع دول البريكس وزيادة الصادرات إليها لعلاج اختلال الميزان التجاري، وهو ما يستلزم إنتاج مايُمكن إنتاجه محليًّا كبدائل للواردات، سواء من السلع الاستهلاكية أو الوسيطة عن طريق تنمية قطاع الصناعة التحويلية .

بمعنى آخر نحتاج إلى التعميق الصناعي والتكنولوجي لعلاج هذا الاختلال وتحقيق استفادة فعلية من الانضمام للتكتل . خاصة في ظل طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمقترح المنصة الاستثمارية الجديدة للبريكس .

الاستعداد لمقترح ” بوتين “ .. منصة استثمارية لدول ” بريكس “

على هامش الاجتماع الموسع لقادة مجموعة بريكس في روسيا، الأربعاء 23 أكتوبر الجاري، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  فكرة إنشاء منصة استثمارية لدول «بريكس»، تسهل الاستثمارات المتبادلة بين هذه الدول، و من شأنها أن تسهل ملفات التنمية فى أفريقيا ودول جنوب آسيا.

الرئيس الروسي بوتين يعلن منصة استثمارات بريكس

وأضاف بوتين- وفقًا لما نقلته وكالة أنباء “تاس” الروسية- أن ملف تعزيز العلاقات مع أفريقيا هو جوهر عملنا مع الدول الشريكة فى البريكس. نعتقد أن إنشاء منصة استثمارية كجزء من البريكس هو جوهر عملنا ونعتقد أنه فى المستقبل القريب.

وأوضح بوتين :” أن هناك مناطق فى العالم سوف يتقدم فيها التطور بوتيرة عالية للغاية، وتابع:” أن هذه المناطق ستكون فى المقام الأول دول جنوب آسيا وأفريقيا. ولهذا السبب على وجه التحديد، طرحنا الآن مسألة إنشاء منصة استثمارية جديدة فى إطار مجموعة البريكس باستخدام الأدوات التقنية الحديثة”.

تسريع النمو في أفريقيا هو الملف الذي توليه مصر اهتمامًا خاصًا . فمن ناحية يمنحنا الانضمام للبريكس الفرصة لتمويل المشروعات و توفير التكنولوجيا المطلوبة لتعميق التصنيع و من ناحية أخرى تمنحنا البريكس فرصة تعزيز التواجد في أفريقيا . وهو ما يعني ضرورة الاستعداد بتحضير خريطة فرص استثمارية  للمشروعات التي نحتاجها لتعميق التصنيع و تعزيز التعاون مع أفريقيا .فكيف يمكن لقطاع البترول اقتناص الفرصة لدعم الميزان التجاري المصري و الميزان البترولي و في الوقت ذاته الولوج إلى أفريقيا التي لم نتكامل معها حتى الآن نتيجة التشابه في الموارد و الظروف  ؟

كيف يقتنص قطاع البترول ” فرص ” البريكس ؟

كريم بدوي في اجتماع وزراء الطاقة لدول البريكس
جانب من مشاركة المهندس كريم بدوي في اجتماع وزراء الطاقة لدول البريكس- سبتمبر 2024

يحمل الانضمام إلى مجموعة “بريكس” آفاقًا واعدة لإحداث تحول كبير في قطاع الطاقة ، حيث يوفر آليات للتمويل يمكنها تسريع مشروعات تنمية الطاقة  في مصر في إطار سعيها للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة . بيد أن مشروعات الطاقة بما فيها الطاقة الجديدة و المتجددة هي بطبيعتها مشروعات طويلة الأجل و تحتاج إلى استثمارات ضخمة ، وبالنظر إلى محدودية حجم التمويل المطروح ـ 100 مليار دولار هو رأس مال بنك التنمية الجديد ـ فإن نصيب كل دولة لن يكفي لطموحات الجميع ، لذا ينبغي توظيف الموارد المحدودة لتحقيق أعلى إشباع ممكن ، وهذا ممكن عبر مشروعات أقل تمويلاً وأكبر عائداً ، بمعنى آخر نحتاج لمشروعات تعظيم القيمة المضافة كمشروعات البتروكيماويات النهائية ومشروعات البتروكيماويات الخضراء وهي مشروعات ليست كثيفة التمويل كمشروعات الطاقة الجديدة و المتجددة و مشروعات الاستكشاف وإنتاج البترول .

وفي صناعة البترول ليس هناك قيمة مضافة أكبر من قطاع البتروكيماويات ” النهائية ” التي يصل ثمنها من 30 إلى 500 ضعف ثمن النفط الخام وفقا لدراسة الدكتور سمير القرعيش المنشورة في مجلة أوابك .

وإذا كنا نبحث عن سد فجوة العملة الأجنبية ؛ فالبتروكيماويات النهائية أو المواد الكيماوية تستوردها أفريقيا بحوالي 10 مليارات دولار ، كما تستوردها مصر وحدها سنويا بـ 10 مليارات دولار أخرى ، أي ما يفوق صادراتنا من الأسمدة و البتروكيماويات الأساسية والوسيطة ، و السبب أنها تحتاج إلى وحدات صناعية صغيرة ومتوسطة ، وبالطبع فإن الحكومة لن تنشيء هذه المصانع ، فهذا دور القطاع الخاص.

إن التمويل الذي يوفره بنك التنمية الجديد تتوزع محفظة استثماراته ما بين دعم القطاعين العام والخاص ، الحكومة عادة ما تأخذ حصتها من جميع جهات التمويل الدولية / لكن القطاع الخاص لا يحصل على كامل نصيبه المرصود بسبب معوقات الاستثمار خاصة في المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، وإذا حصلنا على هذه الاستثمارات المرصودة للقطاع الخاص وبخاصة المشروعات الصغيرة و المتوسطة و المشروعات الخضراء سنتمكن من سد جزء كبير الفجوة بين الصادرات والواردات وبالتالي فجوة العملة الأجنبية .

انتظار المستثمر الأجنبي ليأتي بإرادته في الظرف الإقليمي الحالي صعب ، و الاعتماد على كوادرنا و قطاعنا الخاص بات أمر حتمي ، مشكلتنا هي مشكلة أفريقيا و لهذا يصعب تحقيق التكامل فكلانا يبحث عن المستثمر في مجالات الاستكشاف والإنتاج لذا ينبغي التركيز على مشروعات تعظيم القيمة المضافة التي هي بطبيعتها مشروعات صغيرة ومتوسطة .

إن قطاعي البتروكيماويات والتعدين هما قاطرتي نمو  الصناعة التحويلية ، فمعظم مدخلات الصناعة من البتروكيماويات والمعادن ، وبدون صناعة بتروكيماويات نهائية و صناعات تعدينية يظل قطاع الصناعات التحويلية في أزمة يتبعها عجز الميزان التجاري وفجوة العملة الأجنبية .

ما هي الآليات التي يمكن من خلالها إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة كحل لتعميق التصنيع وتعزيز التواجد في أفريقيا و سد فجوة العملة الأجنبية وعلاج اختلال الميزان التجاري المصري خاصة مع دول البريكس ؟

الإجابة في مقالنا القادم من سلسلة مقالات ” روشتة إنقاذ الجنيه ” ، المقال القادم بعنوان : ” الفرنشايز حلاً ”

المراجع :

د.مصطفى العناني

مدير عام مساعد ـ إدارة الإعلام ـ شركة بتروتريد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى