إن قطاعا البتروكيماويات والتعدين هما قاطرتي نمو الصناعة التحويلية ، فمعظم مدخلات الصناعة من البتروكيماويات والمعادن ، وبدون صناعة بتروكيماويات نهائية وصناعات تعدينية يظل قطاع الصناعات التحويلية في أزمة يتبعها عجز الميزان التجاري وفجوة العملة الأجنبية.
ما هي الآليات التي يمكن من خلالها إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة كحل لتعميق التصنيع وتعزيز التواجد في أفريقيا وسد فجوة العملة الأجنبية وعلاج اختلال الميزان التجاري المصري خاصة مع دول البريكس ؟ هذا ما نتناوله في مقال اليوم.
جدول المحتويات
سلسلة القيمة لصناعة البتروكيماويات وفرص دعم الميزان التجاري
البتروكيماويات هي المواد الكيماوية المستخرجة من البترول والغاز، و هي أساس نمو قطاع الصناعات التحويلية؛ حيث توفّر منتجات ومدخلات مهمة من المواد الخام الأساسية، والمنتجات الوسيطة لمختلف الصناعات تنقسم المنتجات البتروكيماوية إلى (بتروكيماويات أساسية)، و(بتروكيماويات وسيطة)، و(بتروكيماويات نهائية)، وغالبًا ما يكون إنتاج البتروكيماويات الأساسية والوسيطة من خلال مصانع ومشروعات كبيرة، أما البتروكيماويات النهائية فغالبًا ما تنتجها مصانع صغيرة ضمن عناقيد صناعية متخصصة (عنقود صناعة السيارات ـ عنقود البلاستيك ـ عنقود التعبئة والتغليف.. إلخ).
وأسعار البتروكيماويات تفوق أسعار النفط بقدر يزيد عن 7 أضعاف بالنسبة للبتروكيماويات الأساسية، بينما يبلغ (10 – 100 ضعف) بالنسبة للبتروكيماويات الوسيطة، و(30 – 500 ضعف) بالنسبة للبتروكيماويات النهائية.
ويظهر من سلسلة القيمة في صناعة البتروكيماويات ؛ أن القيمة المضافة العظمى في هذه الصناعة تتجلى في حلقتها الأخيرة ” البتروكيماويات النهائية ” ، وهي الحلقة اللازمة لتعميق التصنيع ، وقد حققت في تركيا من هذه الصناعة عوائد كبيرة للاقتصاد تستدعي إلقاء نظرة على التجربة .
التجربة التركية في صناعة البتروكيماويات
شجع نموذج تركيا الاقتصادي كثيرًا من الدول على دراسته خاصة في صناعة البتروكيماويات ، فقد اهتمت تركيا في البداية بالأسواق المحلية، واعتمدت في هذا المجال بشكل رئيسي على التكنولوجيا الأوروبية والأمريكية ، حيث تنتج المصانع الصغيرة والمتوسطة في تركيا منتجات متعددة ومتنوعة من البتروكيماويات، يتم استخدام حوالي 70% منها كمواد خام وسيطة أو أولية للصناعة التركية، بينما يتم بيع حوالي 30% منها للمستهلك النهائي.
وتتميز صناعة البتروكيماويات في تركيا بتطورها وامتدادها في الأسواق العالمية، وتشجع الدولة مساهمة العناقيد الصناعية، والشركات الصغيرة والمتناهية الصغر في تنمية هذه الصناعة، فقد بلغت قيمة مبيعات بعض هذه الشركات الصغيرة إلى أكثر من مليار دولار سنويًّا، ويبلغ عدد العاملين في هذه الشركات أقل من 50 عاملاً كما يبين الجدول التالي:
يظهر من الجدول السابق أن أرقام مبيعات الشركات من 1 إلى 4 في الجدول تفوق المليار دولار لكل شركة ، ومعظم الشركات الواردة في الجدول تصنف صغيرة ومتوسطة من حيث حجم العمالة ؛ والتي تتراوح مابين 15 إلى 50 عامل في المتوسط وحدها الأقصى 250 عامل.
واقع صناعة البتروكيماويات في الوطن العربي
يتركز أغلب إنتاج البتروكيماويات في الدول العربية بنسبة 80% في البتروكيماويات الأساسية والوسيطة، والـ 20% الباقية للبتروكيماويات النهائية، على الرغم من أن 50% من سوق البتروكيماويات في العالم هو للبتروكيماويات النهائية والتي تستوردها الدول العربية والأفريقية.
و يعود السبب في هذا الوضع إلى 3 عوامل :
1- أن هذه الصناعة ” كثيفة الاستهلاك للطاقة “؛ لذا لا تنتج الدول المستوردة للطاقة بتروكيماويات أولية ووسيطة، بل تستوردها من الدول المنتجة للطاقة؛ ثم تركز هي على صناعة البتروكيماويات النهائية ذات المردود العالي.
2- الوحدات الصناعية للبتروكيماويات النهائية من حيث الحجم تصنف من فئة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة وهو ليس مجال استثمار الحكومات.
3- الصعوبات التي تواجه قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر.
وعليه فإن النهوض بقطاع البتروكيماويات النهائية ذو المردود المرتفع على الاقتصاد الكلي يستلزم دفع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، و في الوقت نفسه هي فرصة ” شراكة ” من نوع مختلف بين القطاعين العام والخاص.
الفرص والتحديات في صناعة البتروكيماويات النهائية
بلغت فاتورة واردات مصر من الكيماويات – البتروكيماويات النهائية ـ في 2022 حوالي 10 مليارات دولار. كما تستورد الدول العربية والأفريقية من هذه الكيماويات ما قيمته حوالي 10 مليار دولار تمثل فرص تصديرية لمصر، أي أن إجمالي الفرص المتاحة لدعم الميزان التجاري المصري من هذا القطاع وحده تبلغ 20 مليار دولار ( 10 خفض واردات و 10 صادرات ) وهذا الرقم يمثل حوالي 3 أضعاف صادراتنا من الكيماويات والأسمدة الآن والتي بلغت في 2023 حوالي 6.5 مليار دولار.
وعلاوة على استفادة الاقتصاد الكلي متمثلة في إحداث بعض التوازن للميزان التجاري فإن الفرص التي تمنحها لنا تنمية صناعة البتروكيماويات النهائية ستسهم في تعزيز توجهات الدولة نحو التكامل الأفريقي وهو ما يتقاطع مع أهداف المنصة الاستثمارية للبريكس التي تحدثنا عنها في مقالنا السابق.
ونظرًا لأن هذه الصناعة تعتمد على المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة، يصبح إشراك القطاع الخاص وتوفير الفرص لصغار المصنعين في مجال الكيماويات ضرورة لسد حاجة السوق المحلي، علاوة على وجود فرص تصديرية كبيرة لهذه المنتجات، بيد أن المشروعات الصغيرة و المتوسطة بطبيعتها تواجهها العديد من التحديات ، فكيف يمكن التغلب على هذه التحديات ؟ و كيف يمكن أن تستفيد شركات قطاع البترول استفادة مادية مباشرة من تنمية هذا القطاع ؟ كيف نتجاوز تحديات المشروعات الصغيرة والمتوسطة ؟
نجحَت العديد من الدول المتقدمة والنامية في الاستفادة من مزايا المنشآت الصغيرة والمتوسطة عن طريق تبنيها لهذا القطاع على المستوى الوطني كإحدى أهم وسائل التنمية الاقتصادية ، غير أن الكثير من التجارب الدولية في مجال المنشآت الصغيرة والمتوسطة تشير إلى وجود العديد من التحديات التي تعوق تلك المنشآت عن تحقيق المزايا التي تحققها المشروعات الكبرى على المستوى التجاري .
وعليه يصبح تفكيك عناصر المشكلة مدخلاً إلى الحل ؛ وتواجه المشروعات الصغيرة تحديات رئيسية نعرضها في جدول ” المشكلة و الحل “:
و سنتناول فيما يلي شرح كل حل على حدى:
أولاً : العناقيد الصناعية حلاً لمشكلة عدم ترابط المشروعات الصغيرة
إن السبب الرئيسي لفشل المنشآت الصغيرة والمتوسطة وعدم استمرارية نشاطها ليس له علاقة بحجمها، بل بعملها بشكل منفرد ومنعزل، وتفككها وعدم ارتباطها في هياكل متكاملة؛ لذلك فإن التقارب والتعاون والتكامل بين المشروعات الصغيرة والمتوسطة يمثل العامل الأساسي لنجاحها وتحسين قدرتها على التنافسية.
ولكي يكون للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة مكانة ومساهمة فعَّالة في الاقتصاد الوطني يجب أن تعتمد تنميتها وتطويرها على استراتيجيات واضحة، ومن بينها استراتيجية العناقيد أو التجمعات الصناعية، التي يمكن أن تمثل حَلًّا للعديد من من المشاكل والمعوقات التي تقف حائلًا دون تطورها.
والعناقيد الصناعية هي “تجمعات جغرافية” (محلية أو إقليمية أو عالمية) لعدد من الشركات والمؤسسات المترابطة والمتصلة ببعضها البعض في مجال معين، بما يمثل منظومة من الأنشطة اللازمة لتطوير المنتج، وبالتالي خلق قيمة مضافة له، بالإضافة إلى تشجيع ودعم تنافسية المنتج.ويمثل العنقود السلسلة الكاملة للقيمة المضافة.
إن إنشاء عناقيد صناعية للمشروعات الصغيرة و المتناهية الصغر في قطاع البتروكيماويات النهائية يضمن توفير المواد الخام والمدخلات الأساسية لهذه الصناعة والتي تعتمد على البتروكيماويات الأولية والوسيطة.
ونرشح منطقتين رئيسيتين لإنشاء هذه العناقيد:
الأولى داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس إلى جوار مجمع البحر الأحمر للبتروكيماويات.
الثانية داخل أو بجوار مجمع العلمين للبتروكيماويات.
فاستراتيجية العناقيد الصناعية تقوم على توافر المدخلات إلى جوار الوحدات الصناعية ، ومن الممكن تجنيب جزء من الإنتاج المعد للتصدير لتعظيم القيمة المضافة لاقتصادنا عبر إدخاله في تصنيع البتروكيماويات النهائية.
كما أن وجود المشروعين بحوار المواني البحرية سيسهل استيراد ما تحتاجه المصانع الجديدة من مدخلات مستوردة غير متوفرة محليًا علاوة على أنه سيسهل ويسرع تصدير منتجاتها .
المنطقتين المقترحتين لإنشاء عناقيد البتروكيماويات النهائية ليس هو المتبع في الدول الصناعية ، بل إن المتبع أن يكون عنقود البتروكيماويات اللازمة لكل صناعة جزء من عنقود الصناعة ، و لكن في الحالة المصرية و نظرا لانخفاض إنتاجية قطاع الصناعة التحويلية المعتمد بشكل كبير على صناعة التجميع ، فيمكن تنفيذ عناقيد البتروكيماويات النهائية في تجمعات جغرافية محددة على نحو ما طرحنا في العلمين ومحور قناة السويس.
وخلاف هاتين المنطقتين تجدر الإشارة إلى وجود 3 تجمعات ومدن صناعية أقامتها الدولة تحتاج لعناقيد بتروكيماويات نهائية وهي:
1- مدينة الروبيكي للجلود : تحتاج عنقود لإنتاج الكيماويات المستخدمة في صناعة الجلود.
2- مدينة النسيج بالسادات : تحتاج عنقود لإنتاج الكيماويات المستخدمة في صناعات النسيج و يمكن أن يضاف إليها الكيماويات اللازمة لصناعة الملابس الجاهزة و هو ما يساعد المدينة لتكون تجمعًا صناعيًا متخصصًا في تصدير الملابس على نحو نموذج فيتنام.
3– مدينة دمياط للأثاث : وقد تم تخصيص 17 فدان بالفعل في المدينة ضمن مُخطط المشروع لعنقود بتروكيماويات لإنتاج الطلاء والدهانات الصديقة للبيئة ؛ وهي غير مستغلة حتى الآن ولم يُنشر أن أحداً اقترب منها ، على الرغم من أن إنتاج هذا العنقود لا يرتبط بنسبة إشغال الوحدات الصناعية في المدينة فهذه الدهانات يحتاجها كل مصنع أثاث في مصر ونستوردها بالعملة الأجنبية وهذا سبب من أسباب تدهور صناعة الأثاث.
وتلخيصاً لما سبق فإن مشكلة تفكك هيكل المشروعات الصغيرة وعمل كل منها منفردًا ؛ يمكن حلها عبر تخصيص مناطق وتجمعات جغرافية محددة لهذه المشروعات تُعرف بـ العناقيد الصناعية.
ثانياً : معوقات الاستثمار .. المناطق الحرة الخاصة حلاً
تعاني المشروعات الصغيرة والمتوسطة الصناعية من “معوقات الاستثمار” مثل التراخيص وتوفر الأراضي اللازمة للمشروع وتوفر البنية التحتية اللازمة لها ، علاوة على خضوع المواد الخام ومعدات الإنتاج للجمارك وضريبة القيمة المضافة مما يتسبب في ارتفاع سعر المنتج المحلي مقارنة بالمستورد ؛ لذا يعد نظام المناطق الحرة الخاصة والمناطق الاقتصادية المعفاة من الجمارك والضرائب والتي ُتوَحِد جهة التعامل مع المستثمرين هو الحل الأنسب لتفادي هذه المعوقات. فكل عنقود صناعي لمجموعة منتجات متجانسة من منتجات البتروكيماويات النهائية يمكن أن يُخصص له ( منطقة حرة خاصة ) لصالح وزارة البترول أو إحدى الشركات التابعة لها ، تكون هي المسئولة عن تخطيط المنطقة وإعداد خريطة الفرص الاستثمارية الجاهزة لصغار الصناع ، و قد كان للدولة مبادرة حملت إسم ” مصنعك جاهز للترخيص ” ؛ يمكن على غرارها إطلاق مبادرة ” مصنعك جاهز بالترخيص ” وليس للترخيص ، فالشركة التابعة يمكن أن تطرح المشروع جاهزاً للتشغيل ؛ و وفقا لنظام المناطق الحرة الخاصة ستكون هي نفسها جهة الترخيص ، كما أن وزارة البترول يتبعها شركات أشغال ومقاولات متخصصة يمكن الاستفادة منها وتشغيلها في إنشاء وتجهيز هذه الوحدات الصناعية وتسليمها جاهزة بترخيصها للمستثمر الصغير؛ وهو ما يضمن للمستثمر الصغير تجاوز كل معوقات الاستثمار في هذه الصناعة.
إذاً فنظام المناطق الحرة الخاصة يمكن أن يكون حلا لمشكلة توفير الأرض والتراخيص والإنشاء والتأسيس ويتبقى المعرفة الفنية والتمويل والتسويق سنتناولها تباعاً.
ثالثاً : عقود نقل التكنولوجيا حلاً لتوفير المعرفة الفنية
هناك ما يُعرَف بعقود نقل التكنولوجيا، والتي يمكن استخدامها لنقل تكنولوجيا غير متوفرة محلياً، وهي الآلية الشائعة في بناء وتشغيل المصانع. وتمثل عقود نقل التكنولوجيا حلًّا لاستيراد المعرفة في القطاعات التي تنقصنا فيها المعرفة الفنية.
أصبح لنقل التكنولوجيا أشكال مختلفة من العقود على أنه في معظم العقود التي تنتشر حاليًا بين الدول المتقدمة والدول التي في طريقها إلى النمو لا تقتصر عقود نقل التكنولوجيا على مجرد نقل المعرفة الفنية فقط، بل يَطلُب الطرف المتلقي للتكنولوجيا معها ” المساعدة الفنية” ؛ أي الأخذ بيد المتلقي للتكنولوجيا حتى يبدأ بالسير في الطريق السليم المرجو من العقد.
وهذا العقد يتمثل في الالتزام بتوفير العمالة والمساعدة الفنية والخبراء، أو الالتزام بتدريب العمالة المحلية و تركيب الآلات؛ فقد يتمثل عقد نقل التكنولوجيا في بيع مجموع صناعي متكامل يطلق عليه عقد تسليم المفتاح، ويتمثل في تسليم مصنع متكامل من عدد وآلات وطرق إنتاج مُعدَّة مسبقًا، وهذا النموذج منتشر بين الدول المتقدمة جدًّا وبين الدول الأقل تقدمًا، ويطلق عليه عقد تسليم المفتاح الجزئي.
أما الصورة الأخرى لعقد تسليم المفتاح فيطلق عليها عقد تسليم المفتاح الثقيل أو تسليم الإنتاج، ويلزم بمقتضاه المورد ليس فقط بتسليم المصنع مع المساعدة الفنية، بل أيضًا تدريب العمالة المحلية فنيًا، وتقديم المساعدة بتشغيل المصنع، وهذا النموذج ينتشر بين الدول المتقدمة والدول النامية، وفي هذا النموذج يلتزم المورد بتشغيل المصنع وقيادته فنيًا وصناعيًا خلال مدة متفق عليها بشرط أن تصبح العمالة المحلية على درجة من الدراية الفنية التي تمكنها من استيعاب وتشغيل التكنولوجيا المركبة واستخدامها حتى الإنتاج النهائي، والسبب في انتشار مثل هذه الصورة من عقود الإنتاج هو أن الدول النامية تريد تعويض حالة التأخر والتردي الإنتاجي والصناعي الذي هي عليه نتيجة الاستعمار ، والذي كان يوجه نشاط المواطنين في الدول المستعمرة إلى المجالات الإدارية والخدمية اللازمة لتحقيق مصالحه فقط، والتي ليس من بينها مطلقًا مجالات الإنتاج والتصنيع.
وعليه فإنه يمكن للشركة صاحبة المنطقة الحرة الخاصة التنسيق مع موردي التكنولوجيا بنظام تسليم الإنتاج لصاح المستمثر المحتمل ، على أن تتولى شركات القطاع ذات الخبرة إنشاء وتجهيز المشروع بالمعدات اللازمة وفقًا للمواصفات التي يحددها مورد التكنولوجيا لكل وحدة صناعية.
وبهذه الآلية يمكن أن تطرح المنطقة الحرة الخاصة فرصًا استمثارية جاهزة للتشغيل شاملة التأسيس والترخيص والتدريب والدعم الفني للصناع الجُدد . ويتبقى التمويل والتسويق.
رابعاً : التمويل .. الاستثمار الأجنبي غير المباشر بديلاً للاستثمار الأجنبي المباشر
تمثل محفظة استثمارات القطاع الخاص التي توفرها جهات التمويل الدولية حلاً لمشكلة التمويل. وقد بلغت قيمة هذه المحافظ في عام 2022 نحو 7.3 مليارات دولار وفقا لبيان وزارة التعاون الدولي ،كما تمكّنَت منصة (نُوَفِّي) لتمويل المشروعات الخضراء التي أطلقتها وزارة التعاون الدولي في عام 2022، من حشد 14 مليار دولار لصالح المشروعات الخضراء المصرية والأفريقية منذ إطلاقها.
ويضاف إلى ما سبق انضمام بنك الطاقة الأفريقي وبنك البريكس اللذان يخصصان بدورهما تمويلاً للقطاع الخاص وبخاصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
إن الاعتماد على هذه التمويلات كاستثمارات أجنبية غير مباشرة أصبح مصدرًا أساسيًّا لتمويل التنمية ودفع القطاع الخاص، وهي سياسة اعتمدت عليها الكثير من الدول لجذب التمويل الأجنبي نحو تمويل القطاع الخاص مباشرة، عوضًا عن استدانة الخزانة العامة للدولة ، شرط أن تحقق هذه المشروعات نسبة من الصادرات لسداد التزاماتها بالعملة الأجنبية، وإذا ما تم حشد الجهود لإزالة معوقات الاستثمار ودفع المشروعات الصغيرة والمتوسطة عبر الآليات السابق شرحها يمكن العمل على زيادة هذه المحفظة بالتنسيق مع جهات التمويل الدولية المختلفة.
ولما كان الاستثمار الأجنبي المباشر –في الظروف العادية- قد اتجه إلى الإنتاج للسوق المحلي وليس للتصدير، كما ركز على القطاعات الاستهلاكية والصناعات الاستخراجية (البترول والغاز)، فقد أفضى ذلك في النهاية إلى زيادة عجز الميزان التجاري. فقد أكدت العديد من الدراسات حول أثر الاستثمار الأجنبي المباشر على الميزان التجاري وميزان المدفوعات عمومًا وجود علاقة طردية بين تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وارتفاع الواردات؛ حيث أكدت النتائج أن زيادة الاستثمار الأجنبي تسبّبَت في رفع فاتورة الواردات وتعزيز عجز الميزان التجاري، وهو ما يقودنا للتوجه نحو الاستثمار الأجنبي غير المباشر لتمويل المشروعات اللازمة لسد فجوة الإنتاج المحلي وأيضا لزيادة الصادرات.
فإذا كان الاستثمار الأجنبي المباشر حلًّا لاستيراد التكنولوجيا وتمويل التنمية فإنه ليس حلًا أوحد بلا بدائل، ولا ينبغي أن يظل اقتصادنا مرهونًا بإرادة المستثمر الأجنبي وحساباته.
فالاستثمار الأجنبي المباشر على الرغم من أنه يوفر تمويلًا للتنمية ويساعد على نقل التكنولوجيا ورفع مستويات التشغيل، إلا أن العوائد والأرباح يتم تحويلها للخارج، على عكس الاستثمار المحلي الذي غالبًا ما يُبقِي على عوائده داخل الاقتصاد المحلي ويعيد استثماره في تمويل توسعاته.
ووفقا لما سبق فقد توفرت الفرصة الجاهزة للتشغيل وتوفر تمويلها – الذي نقترح أن يكون بنظام التأجير التمويلي – و بعد هذا يبقى عقد التوريد الخاص بكل وحدة لضمان فرص تسويق هذه المنتجات ، فبموجب عقد التوريد يحصل الصناع الجدد على التمويل ، فكيف نضمن للمصانع الجديدة حلاً نهائيًا لمشكلة التسويق والتوزيع ؟ الإجابة في السطور القادمة .
خامساً : التسويق .. فرنشايز التوزيع حلاً
الفرنشايز أو حق الامتياز التجاري بات أداة توسيع نطاق الأعمال في ظل اقتصاد المعرفة ، والفرنشايز له أنواع فهناك الفرنشايز الصناعي و الخدمي و التجاري ، ومن ضمن أنواع الفرنشايز فرنشايز التوزيع وهو يمكن أن يكون حلاً لمشكلة التسويق التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة .. فما هو فرنشايز التوزيع؟
يهدف هذا النوع من الفرنشايز إلى تمكين المانح من تسويق منتجاته من خلال نظام توزيع معين، بحيث يلتزم المانح بتوريد المنتجات محل العقد خلال مدة العقد إلى الممنوح له ضمن الإطار الجغرافي المحدد، ، وفي هذا النوع أيضًا يمارس المانح الرقابة والسيطرة والإشراف على أعمال الممنوح له باتباع تعليمات المانح، ويُلاحَظ أن هذا النوع عادة ما يقترن بإعطاء الممنوح له حق القصر أو الحصر، أي أن يكون هو الموزع الوحيد لهذه المنتجات في منطقة نشاطه، وهو ما يُعرف بعقد التوزيع القصري أو الحصري.
و يمكن أن نطبق هذا النموذج في مشروعنا هذا من خلال الشركة صاحبة المشروع وفقاً لما يلي:
1- توقيع عقود التوريد مع المصانع الجديدة على طاقتها الإنتاجية كاملة.
2- تسجيل علامة تجارية خاصة بها لكل منتج من الكيماويات التي تقرر إنتاجها.
3- منح حقوق التوزيع الحصري لكل مُنتج لموزع حصري .
ويمكن في هذا الاعتماد على المستوردين الحاليين للكيماويات كشبكة توزيع جاهزة في مصر والدول العربية والأفريقية ؛ ويمكن أن تطرح هذه الفرص عبر بوابة مصر الرقمية للإنتاج والاستكشاف كفرص استثمارية مستحدثة في قطاع الخدمات والتجارة والتوزيع .
إجراءات تنفيذ استراتيجية عناقيد البتروكيماويات النهائية
يمكن تحديد الإجراءات اللازمة لاستراتيجية عناقيد البتروكيماويات النهائية فيما يلي من خطوات:
1- تحديد نوعية وكمية الاحتياجات من البتروكيماويات النهائية التي يتم استيرادها لمصر والدول العربية والأفريقية.
2- تحديد عدد العناقيد الصناعية اللازمة و تحديد أفضل موقع لإنشاء كل عنقود.
3- إسناد مهمة إعداد دراسات الجدوى اللازمة لكل عنقود وكل مشروع لأحد الجهات المتخصصة في دراسات الجدوى وهناك منح مخصصة من جهات التمويل الدولية لتمويل هذا النوع من الدراسات.
4- التنسيق مع موردي التكنولوجيا لتوفير عقد نقل التكنولوجيا المطلوب لكل عنقود وكل مشروع بنظام تسليم الإنتاج.
5- إعداد الخريطة الاستثمارية – الفرص المتاحة للمستثمرين – في كل عنقود شاملة اتفاق نقل التكنولوجيا والتمويل وعقد التوريد.
6- التنسيق مع جهات التمويل الدولية للاستفادة من محفظة تمويل الاستثمارات الجارية للقطاع الخاص التي توفرها هذه الجهات.
7- التعاقد مع شركات ” مطور صناعي ” متخصصة في إدارة وتشغيل المناطق الصناعية يوكل إليها إدارة المنطقة الحرة الخاصة بكل عنقود.
المزايا التي توفرها استراتيجية العناقيد الصناعية
توفر هذه الاستراتيجية عدد من المزايا الاقتصادية نعرض بعضها :
1- استحداث نموذج فريد للشراكة بين القطاعين العام والخاص.
2- نموذج يحتذى في صناعات أخرى خلاف صناعة البتروكيماويات.
3- الاستفادة من التمويلات الخارجية المتاحة للقطاع الخاص بعيدا عن استدانة الموازنة العامة للدولة.
4- توفير الآلاف من فرص العمل للكيميائيين و شباب الخريجين.
5- دعم الميزان التجاري المصري بـ حوالي 20 مليار دولار.
6- توفير موارد مالية دولارية مباشرة للقطاع من خلال الشركة المنوطة بالمشروع.
7- تحقيق ربحية عالية من تجارة منتنجات البتروكيماويات النهائية ذات الربحية المرتفعة.
8- تعظيم القيمة المضافة لصناعة البتروكيماويات المصرية.
9- الإسهام بشكل فعال في برنامج خفض الواردات الذي تستهدفه الحكومة.
10- زيادة حجم التجارة البينية بين مصر والدول الأفريقية استعداداً لاقتناص فرص البريكس.
11- تطبيق لفلسفة التنمية المطلوبة بالانتقال من التخطيط التوجيهي إلى التخطيط التأشيري.
خاتمة
آثرنا تأجيل مقالنا ” الفرنشايز حلاً ” الذي وعدنا به في ختام مقالنا السابق لصالح مقال ” استراتيجية العناقيد الصناعية للبتروكيماويات النهائية ” وذلك على إثر رصدنا للاهتمام بملف ” تعظيم القيمة المضافة للبتروكيماويات ” في اليومين السابقين ؛ لعل مقترحاتنا تسهم في إثراء النقاش حول القضية المطروحة . ونعتذر عن الإطالة في شرح الحلول فالتحدي المطروح هو تحدي ” مُركب ” ويأتي في ظرف اقتصادي غير عادي ، ورغم ذلك فقد حاولنا الإيجاز قدر الإمكان ونحينا التفاصيل الدقيقة.
وتعد هذه السلسلة من المقالات التي اخترنا لها إسم ” روشتة إنقاذ الجنيه ” بمثابة جهود بحثية في مجال اقتصاديات البترول والطاقة هدفها الرئيسي دعم متخذ القرار وجميعها قابلة للنقاش والتطوير.؛ وهي محاولة للخروج بـ ” الفكر الاقتصادي ” من الإطار التقليدي إلى آفاق أوسع وأكثر رحابة ، فالظروف الاستثنائية تتطلب حلولاً استثنائية .
والله من وراء القصد .. اللهم احفظ مصر .. وللحديث بقية ..
المراجع :
- كتاب روشتة إنقاذ الجنيه .. أفكار لحصد الدولار للقطاعين العام والخاص .. د.مصطفى العناني ـ دار طفرة للنشر والتوزيع.
- دور صناعة البتروكيماويات في تنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة. (2017) – مجلة أوابك.
- القرعيش.(2013). واقع وآفاق تنمية صناعة البتروكيماويات في الدول العربيةـ مجلة النفط والتعاون العربي.
- مقارنة الصناعة الكيميائية التركية مع دول البريكس على أساس المزايا النسبية المكشوفة.(2016). جامعة إسطنبول.
- طرشي.(2015) .العناقيد الصناعية كمدخل لتعزيز مكانة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد الجزائري.
- حبة. (2016) .العناقيد الصناعية مدخل لتحسين تنافسية المؤسسات.
اقرأ أيضاً روشتة إنقاذ الجنيه (1) : استعداداً لـ ” منصة بوتين ” .. كيف يقتنص قطاع البترول ” فرص ” البريكس ؟