تكرير البترول الخام .. 5 خطوات لتحويل النفط إلى منتجات قابلة للاستخدام

تكرير البترول الخام ليس مجرد خطوة تقنية، بل هو العمود الفقري لصناعة الطاقة في العالم، و يتم عبر 5 مراحل، فبعد استخراجه من باطن الأرض، لا يمكن استخدام النفط الخام كما هو، بل يجب معالجته و فصله إلى مركبات مختلفة تُستخدم في تشغيل السيارات، الطائرات، المصانع، و حتى في صناعة البلاستيك و مستحضرات التجميل.

جدول المحتويات

ما هو تكرير البترول الخام؟

تكرير البترول الخام هو سلسلة من العمليات الصناعية تهدف إلى فصل و تحويل مكونات النفط الخام إلى منتجات نهائية قابلة للاستخدام، و تتم هذه العمليات في ما يُعرف بـ مصافي النفط، حيث تمر المادة الخام بعدة مراحل تشمل الفصل، التحويل، التنقية، و التحسين.

مراحل تكرير البترول الخام

أولًا: مراحل إعداد النفط الخام قبل التكرير

1_طرد الغازات المصاحبة

عند استخراج النفط من الآبار، غالبًا ما يكون مختلطًا مع غازات طبيعية مثل الميثان و الإيثان و يتم فصله باستخدام أوعية فصل متعددة المراحل، و يُستفاد من هذه الغازات لاحقًا في توليد الطاقة أو كمواد أولية في الصناعات البتروكيميائية.

2_ إزالة الماء و الأملاح و الرواسب

الماء و الأملاح تؤثر على كفاءة أجهزة التكرير، و تسبب التآكل الداخلي بسبب تكون الأحماض مثل HCl، كما أن الرمال و الطين تُعيق انتقال الحرارة و تقلل من كفاءة المبادلات الحرارية، و تسبب تلفًا مبكرًا في المعدات، و تتم هذه العمليات باستخدام:

الفصل الكهربائي
المعالجة الكيميائية
المستحلبات للتعامل مع النفط الثقيل

ثانيًا: عمليات الفصل الفيزيائي (التقطير)

تتم عمليات عمليات الفصل الفيزيائي أثناء تكرير البترول الخام عبر الآتي:

التقطير الجوي

و هو أول مرحلة يتم فيها تسخين النفط الخام إلى درجات حرارة عالية (300–400 مئوية)، و يُفصل في برج التقطير إلى:

غازات خفيفة (مثل البروبان و البيوتان)
بنزين و نافثا
كيروسين
ديزل
زيت ثقيل

التقطير الفراغي

المتبقيات الثقيلة التي لا يمكن فصلها عند الضغط الجوي تخضع لتقطير تحت ضغط منخفض، للحصول على:

زيوت تشحيم
مكونات شمعية
بقايا تُستخدم في التفحيم

ثالثًا: عمليات التحويل الكيميائي

إحدى مراحل تكرير البترول الخام و تتم عبر الآتي:

التكسير الحراري، يُستخدم لتحطيم الجزيئات الثقيلة و تحويلها إلى منتجات أخف و أكثر طلبًا في السوق.
التكسير بالعوامل المساعدة (الكاتاليتك)، و يتم في وجود محفزات مثل الزيوليت، لإنتاج كميات أكبر من البنزين عالي الأوكتان.
التفحيم، و ينتج عنه مواد مثل فحم الكوك النفطي، يُستخدم في صناعة المعادن و الأقطاب الكهربائية.

رابعًا: عمليات المعالجة و التنقية

رابع عمليات تكرير البترول الخام و يتم فيه:

إزالة الكبريت (Hydrodesulfurization) تُستخدم فيها الهيدروجين لتحويل مركبات الكبريت إلى H₂S، ثم يُفصل باستخدام مواد ماصة.
إزالة المركبتان، مركبات ذات رائحة كريهة، تُزال باستخدام الصودا الكاوية أو عمليات التحلية.
المعالجة بالأيدروجين، و تعمل على تحسين الاستقرار الكيميائي للوقود، و زيادة جودته الحرارية.

خامسًا : عمليات الإضافة و التحسين

خامس عمليات تكرير البترول الخام يتم فيها الآتي:

إضافة مواد لزيادة لزوجة الزيوت لملاءمة المحركات الحديثة.
تحسين مقاومة البنزين للانفجار الذاتي (الأوكتان) باستخدام إضافات مثل الإيثانول أو MTBE.
إضافة مضادات أكسدة لإطالة عمر الوقود و تخزينه بأمان.

تاريخ تكرير البترول الخام

بدأت عمليات تكرير البترول الخام في منتصف القرن التاسع عشر، مع تطور صناعة مصابيح الكيروسين، ثم تسارعت مع الثورة الصناعية و زيادة الطلب على وقود السيارات اليوم، تستخدم مصافي التكرير تقنيات عالية الدقة و الذكاء الصناعي لتحسين الإنتاج و تخفيض الانبعاثات.

الأثر الاقتصادي لقطاع التكرير

تُعد صناعة تكرير البترول الخام أحد الركائز الأساسية للاقتصاد العالمي، حيث تسهم في:

توفير ملايين الوظائف
دعم الصناعات البتروكيميائية
خلق القيمة المضافة عبر تحويل الموارد الطبيعية إلى منتجات قابلة للتسويق

التأثيرات البيئية لتكرير البترول الخام

رغم الفوائد الاقتصادية، إلا أن عمليات تكرير البترول الخام تُعد من المصادر الكبرى للانبعاثات الكربونية، و من التحديات البيئية:

التلوث الهوائي الناتج عن أكاسيد الكبريت و النيتروجين
النفايات الصلبة و السائلة
استهلاك كميات ضخمة من المياه و الطاقة

و تعمل الشركات العالمية حاليًا على تبني معايير الاستدامة و استخدام مصادر طاقة نظيفة مثل الطاقة الشمسية في تشغيل بعض وحدات المصافي.

مستقبل تكرير البترول الخام

مع تزايد الضغوط البيئية واتساع دائرة الوعي العالمي بأهمية التحول إلى مصادر طاقة نظيفة، تواجه صناعة تكرير البترول الخام تحديات و فرصًا في آنٍ واحد، و المستقبل لا يعني نهاية التكرير، بل تطوره و تحوله ليواكب المعايير البيئية و التكنولوجية الجديدة.

أحد أبرز ملامح المستقبل يتمثل في تحسين الكفاءة البيئية للمصافي من خلال اعتماد تقنيات منخفضة الانبعاثات، و تطوير عمليات استخلاص و استخدام الهيدروجين، و تبني نماذج الاقتصاد الدائري، كما تشهد المصافي تطوراً في اتجاه التكرير الذكي، باستخدام الذكاء الاصطناعي و الرقمنة لتحسين أداء العمليات و تقليل الفاقد و الملوثات.

من جهة أخرى، قد يتقلص الاعتماد على الوقود الأحفوري تدريجياً في قطاعي النقل و الطاقة، لكن الطلب على المنتجات البتروكيميائية سيظل مرتفعاً، مما يعزز من أهمية المصافي كمراكز لإنتاج المواد الأولية للصناعات الحديثة.

كما يُتوقع أن تتوسع بعض المصافي في تكرير مصادر بديلة مثل البترول الحيوي (Bio-crude) و النفايات البلاستيكية، مما يجعلها أكثر تنوعًا و استدامة.

بالتالي، يمكن القول إن مستقبل تكرير البترول الخام ليس انقراضاً، بل إعادة تشكيل عميقة تواكب التحديات البيئية و تفتح آفاقاً جديدة للاستدامة و التكنولوجيا، المصافي التي تستطيع التكيف و الابتكار هي من ستحافظ على مكانتها في سوق الطاقة العالمي القادم.

ختاماً، تمر عملية تكرير البترول الخام بسلسلة معقدة من العمليات الصناعية التي تجعل منه شريانًا حيويًا للطاقة و الاقتصاد، وكل مرحلة لها دور أساسي في تحسين جودة المنتجات النهائية و تقليل الأضرار البيئية، و مع التقدم التكنولوجي، تسعى المصافي إلى أن تصبح أكثر كفاءة و أقل تأثيرًا على الكوكب.