الكبريت من مشتقات البترول .. 20 استخدامًا صناعيًا يعكس أهميته في الاقتصاد العالمي

الكبريت هو أحد المشتقات الثانوية البترولية الهامة، إذ يُستخدم في أكثر من 20 صناعة مختلفة، وينتج عادةً كمركب غير مرغوب فيه يجب التخلص منه أو استخلاصه ضمن عمليات إزالته من المنتجات النفطية، ومع ذلك، فإن لهذا العنصر الكيميائي دورًا محوريًا في العديد من الصناعات الكيميائية، والزراعية، والدوائية، فضلًا عن كونه مادة أساسية في تصنيع الأسمدة والمطاط والمعادن.

ويُعتبر الكبريت حلقة وصل بين قطاع الطاقة وقطاعات الاقتصاد الأخر، في هذا المقال، نسلّط الضوء على هذا المشتق البترولي بدءًا من تعريفه، ومصادر إنتاجه، وأنواعه، إلى استخداماته وتحدياته البيئية، وسوقه العالمية المتقلبة.

جدول المحتويات

ما هو الكبريت؟

الكبريت هو عنصر كيميائي غير فلزي يُرمز له بالرمز (S)، لونه أصفر فاتح، ويتميّز برائحته النفاذة عند اتحاده مع الهيدروجين ليكوّن غاز كبريتيد الهيدروجين (H₂S)، وهو من أكثر الغازات سمّية في الصناعات البترولية، ويُستخرج كمنتج ثانوي أثناء تكرير النفط والغاز الطبيعي، وخصوصًا من عمليات إزالته من وقود الديزل والبنزين والمازوت، ما يجعله من أبرز المشتقات غير الوقودية للبترول.

كيف يُنتَج الكبريت من النفط؟

يُنتَج الكبريت في معامل التكرير من خلال عمليات إزالة الكبريت (Desulfurization) التي تهدف إلى تخفيض محتوى الكبريت في المنتجات النفطية لمواكبة المعايير البيئية الصارمة، وأهم هذه العمليات:

الهدرجة (Hydrodesulfurization – HDS): تُستخدم لإزالته من المازوت والديزل والبنزين.
عملية كلاوس (Claus Process): وهي التقنية الأكثر شيوعًا لتحويل كبريتيد الهيدروجين المستخلص إلى كبريت عنصري نقي بنسبة تصل إلى 99.9%.

نحو 95% من إنتاجه عالميًا يأتي من الصناعات الهيدروكربونية، مما يجعل النفط والغاز المصدرين الأساسيين للكبريت التجاري.

استخداماته

يُستخدم الكبريت في مجالات متعددة ومتنوعة تشمل:

صناعة الأسمدة الزراعية: يُستخدم في إنتاج حمض الكبريتيك، وهو المكوّن الأساسي في تصنيع سماد “سوبر فوسفات” الشائع.
صناعة المواد الكيميائية: يدخل في تصنيع مركبات مثل ثاني أكسيد الكبريت، وحمض الكبريتيك، والمطاط المعالج.
معالجة المعادن: يُستخدم في عمليات تعويم المعادن لفصل المعادن الثمينة.
الأدوية والمبيدات: يُستخدم كمادة فعالة في بعض المضادات الحيوية والمبيدات الزراعية.
صناعة الورق: يدخل في عمليات تصنيع لب الورق بطرق التحليل الكيميائي.

أنواعه

يتوفر الكبريت الصناعي بعدة أشكال، تختلف بحسب طريقة استخلاصه ونقاوته، وأبرز أنواعه:

الصلب (Sulfur Lumps): يُستخدم في الصناعات الكيميائية والزراعية.
المطحون (Powdered Sulfur): يدخل في الصناعات الدوائية والمبيدات.
السائل (Liquid Sulfur): يُستخدم في النقل والمعالجة الصناعية.
كبريت مكرّر (Refined Sulfur): نقي بدرجة عالية ويُستخدم في التطبيقات الدقيقة.

الفرق بين الكبريت البترولي والكبريت الطبيعي

وجه المقارنة	الكبريت البترولي	الكبريت الطبيعي
المصدر	يُستخرج من عمليات تكرير النفط والغاز (منتج ثانوي)	يُستخرج من باطن الأرض عن طريق التعدين
درجة النقاء	عالي النقاء (يصل إلى 99.9%)	أقل نقاءً بسبب الشوائب المعدنية
التكلفة	أقل تكلفة لأنه ناتج ثانوي من التكرير	أعلى تكلفة لاستخراجه من مناجم طبيعية
الاستخدام الصناعي	يُستخدم بشكل أساسي في الأسمدة، والصناعات الكيميائية	يُستخدم في صناعات مشابهة ولكن بدرجة أقل انتشارًا
الشكل التجاري	غالبًا يُباع في صورة كبريت مصهور أو صلب (Lump/Solid/Sulfur Cake)	يُباع على هيئة مسحوق أو كتل صلبة
التوفر الجغرافي	متوفر في جميع الدول المنتجة للبترول والغاز	متوفر في دول معينة بها رواسب طبيعية مثل أمريكا وكندا وبولندا
الأثر البيئي عند الإنتاج	منخفض نسبيًا لأنه ناتج عن إزالة الملوثات	أعلى بسبب عمليات الحفر والتعدين
القيمة الاقتصادية	أعلى في الأسواق بسبب نقاوته وسهولة دمجه في الصناعات	أقل نسبيًا بسبب تكاليف التعدين والتكرير

الأثر البيئي لاستخراجه

رغم أن الكبريت عنصر غير سام في حالته الصلبة، فإن انبعاثاته الغازية مثل ثاني أكسيد الكبريت (SO₂) وكبريتيد الهيدروجين (H₂S) تُعد من أخطر ملوثات الهواء، حيث تتسبب في:

الأمطار الحمضية: التي تؤثر على التربة والنباتات والمسطحات المائية.
التآكل الصناعي: نتيجة تفاعل الغازات الكبريتية مع الهياكل المعدنية.
الاختناق البشري: خاصة في المناطق الصناعية غير الملتزمة بمعايير الأمان.

لذا تُطالب المنظمات الدولية مثل الوكالة الدولية للطاقة واتفاقية باريس للمناخ بخفض انبعاثاته في الصناعات الثقيلة والطاقة.

سوق الكبريت عالميًا ومحليًا

يشهد سوق الكبريت العالمي حالة من التذبذب المستمر، ويتأثر بعدة عوامل رئيسية تتحكم في حجم العرض والطلب وأسعار البيع، من أبرزها أسعار النفط الخام، حيث أنه يُعد منتجًا ثانويًا لعمليات تكرير النفط وإزالة الغازات الحمضية من الغاز الطبيعي، وبالتالي، فإن أي تغير في أسعار النفط أو حجم الإنتاج ينعكس مباشرة على وفرته في الأسواق.

كما يلعب الطلب على الأسمدة، وبخاصة الأسمدة الفوسفاتية التي يدخل في تصنيعها، دورًا محوريًا في تشكيل ديناميكيات السوق، إلى جانب النشاط الصناعي في مناطق مثل آسيا وأمريكا الشمالية، اللتين تُعدان من أبرز الأسواق المستهلكة له في الصناعات الكيماوية والتعدينية.

سعره عالميًا

يتراوح السعر العالمي لطن الكبريت بين 40 و120 دولارًا، وذلك بحسب عدة عوامل تشمل جودته، وشكله (مسحوق أو كتل)، والموقع الجغرافي سواء للإنتاج أو التسليم، وكذلك تكاليف الشحن والتخزين، وتشهد الأسعار تفاوتًا ملحوظًا بين الأسواق المحلية والدولية، فضلًا عن تأثرها بالأزمات الجيوسياسية وسلاسل الإمداد العالمية.

إنتاجه في مصر

تُنتج مصر الكبريت بشكل أساسي كمشتق ثانوي من عمليات تكرير البترول في عدد من المصافي الكبرى، مثل شركة الإسكندرية للبترول (أموك)، وشركة الشرق الأوسط لتكرير البترول (ميدور)، وشركة أنربك وغيرها.

ويتم جمع الكبريت المُستخرج من هذه العمليات في صورته الصلبة أو السائلة، ثم يُعاد توجيهه إلى المصانع المحلية، لا سيما مصانع إنتاج الأسمدة مثل شركة الصناعات الكيماوية المصرية “كيما”، وشركة أبو قير للأسمدة.

ويسهم هذا الإنتاج المحلي في تقليل الاعتماد على الاستيراد، وتلبية احتياجات قطاع الزراعة والصناعة، مع توقعات بزيادة الإنتاج مستقبلًا في ظل توسّع أنشطة التكرير ومشروعات مجمعات البتروكيماويات الجديدة في مصر.

هل الكبريت لا يزال مهمًا في ظل الطاقة المتجددة؟

رغم التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، يظل الكبريت عنصرًا حيويًا لا غنى عنه في الصناعات التحويلية والأسمدة، خصوصًا في الدول الزراعية والصناعية، ولا توجد حتى الآن بدائل صناعية فعالة له بنفس الكفاءة، ومع ذلك يجري تطوير تقنيات حديثة للتقليل من انبعاثاته والاستفادة منه بشكل أكثر استدامة، مثل:

إعادة استخدامه في معالجة التربة.
تطوير بطاريات كبريت الصوديوم (Na-S) كمصدر للطاقة المتجددة.

التوقعات المستقبلية

تشير التوقعات إلى أن سوق الكبريت العالمي قد يشهد نموًا متوازنًا خلال العقد المقبل، مدفوعًا بارتفاع الطلب على الأسمدة في أفريقيا وآسيا، وخصوصًا في دول مثل الهند، والصين، ومصر، إلى جانب الطلب الصناعي المتزايد.

قُدِّر حجم السوق بنحو 9.5 مليار دولار عام 2024.
متوقع أن يتجاوز 13.2 مليار دولار بحلول عام 2032 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 4.1%.

ومن المتوقع أن يؤدي التوسع في مشروعات الطاقة النظيفة إلى تطور استخدام هذا المشتق البترولي في صناعات جديدة، ما يفتح آفاقًا مُبتكرة لاستخداماته.

ختامًا؛ يُعد الكبريت أحد أبرز المشتقات البترولية غير الوقودية، وركيزة صناعية لا غنى عنها في العديد من المجالات الحيوية، ورغم التحديات البيئية المرتبطة به، فإن تطور تقنيات التكرير وإعادة التدوير يمكن أن يسهم في تحويله من ملوث إلى مورد بيئي واقتصادي، ومع استمرار الطلب العالمي على الأسمدة والمنتجات الكيميائية، يُتوقع أن يحافظ هذا المشتق البترولي على مكانته كمكوّن استراتيجي في الصناعات، مع الحاجة إلى تكييف استخدامه بما يتناسب مع أهداف الاستدامة البيئية وخفض الانبعاثات.